اقتصاد المغرب في 2024

 

اقتصاد المغرب في 2024

يعد الاقتصاد المغربي من أكثر الاقتصادات تنوعا و استقرارا في المنطقة العربية و الإفريقية، لكونه يعتمد على تنويع مصادر الدخل بين الزراعة، الصناعة، السياحة، و الخدمات المتنوعة،  كما استطاع المغرب خلال العقود الأخيرة تحقيق نمو ملحوظ بفضل الإصلاحات الاقتصادية و الاستثمار في البنية التحتية و الطاقات المتجددة، مما يمنحه مرونة في مواجهة التحديات العالمية، و يستفيد الاقتصاد المغربي من موقعه الجغرافي المميز الذي يجعله بوابة بين أوروبا و افريقيا، إضافة إلى سياساته الرامية لجذب الاستثمارات و تعزيز الصادرات ما جعله نموذجا للاقتصادات الصاعدة في القارة الإفريقية.

أولا: الناتج المحلي الإجمالي:

وفق بيانات البنك الدولي بلغ الناتج المحلي الإجمالي للمغرب حوالي 144.42 مليار دولار في عام 2023 و ارتفع الى 154.43 مليار دولار في عام 2024، و من المتوقع أن يستمر الأداء الاقتصادي الإيجابي خلال العام الجاري 2025، إذ تشير التوقعات إلى تسارع نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي ليصل إلى 3.9% في عام 2025، ارتفاعاً من نسبة 3.2% في عام 2024، مدعوما بقطاعي السياحة و الصناعة.

كما يتوقع صندوق النقد الدولي أن يصل الناتج المحلي الإجمالي خلال سنة 2025 إلى 165.8 مليار دولار، استنادا لمؤشرات الناتج المحلي الإجمالي و هو ما يضع المغرب في المرتبة الخامسة قاريا رغم عدم امتلاكه لموارد نفطية ضخمة.        

ثانيا: القطاع الفلاحي و الصيد البحري:

يساهم القطاع الفلاحي بنسبة 10.10% من الناتج المحلي الإجمالي و يوفر فرص شغل لحوالي 38% من اليد العاملة الوطنية، و من اهم منتجات القطاع الفلاحي ما يلي: 

1- قطاع الفلاحة:

الحبوب: بلغ الانتاج حوالي 75 مليون قنطار في سنة 2024، مسجلاً ارتفاعا بنسبة 12% مقارنة بالسنة السابقة، و يمثل القمح الطري حوالي 40 مليون قنطار من هذا الإنتاج، يليه القمح الصلب بـما يقارب 20 مليون قنطار، ثم الشعير بـحوالي 15 مليون قنطار.

الخضروات و الفواكه: شهدت بعض المنتجات ارتفاعا ملحوظا في سنة 2024 بلغ إنتاج الطماطم حوالي 1.4 مليون طن، سجل إنتاج البطاطس 1.2 مليون طن، و بالنسبة للحوامض فقد بلغ إنتاج البرتقال و الليمون 2.3 مليون طن خصوصا في مناطق سوس-ماسة و اللوكوس التي تعتبر من أبرز الأقطاب الفلاحية.

الزيتون: شهد نموا ملحوظا حيث بلغ الإنتاج 1.8 مليون طن خلال سنة 2024 و هو ما يمثل زيادة بنسبة 8% مقارنة بالسنة السابقة.

اللحوم الحمراء: شهد قطاع تربية المواشي استقرارا في أعداده إذ يقدر عدد رؤوس الأبقار بحوالي 3.6 مليون رأس، بينما يبلغ عدد الأغنام 19 مليون رأس مما ساهم في توفير حاجيات السوق المحلية.

2- قطاع الصيد البحري:

يعد الصيد البحري نشاط اقتصادي مهم في المغرب إذ يمثل حوالي 3٪ من إجمالي الناتج المحلي للبلاد، تتوفر في المغرب العديد من الأنواع المختلفة من الأسماك من بينها السردين، السمك الأزرق، الروبيان، السرطان، القنديل، و الأسماك الكبيرة مثل التونة و القرش، و يشكل السردين الموري المعلب أحد أهم منتجات الصيد البحري في المغرب إذ يتم تصديره إلى العديد من الدول حول العالم.

ثالثا: قطاع الصناعة و التحول الصناعي:

حسب احصائيات البنك الدولي تشكل الصناعة 24.10% من الناتج المحلي الإجمالي بما فيها قطاع البناء، أي ما يعادل حوالي 37 مليار دولار، و توفر فرص عمل لحوالي مليون مغربي و من ابرز مجالات القطاع الصناعي:

1- صناعة السيارات:

اصبح المغرب واحد من أبرز الدول المصنعة للسيارات على مستوى العالم العربي، حيث بلغت الإيرادات لعام 2024 حوالي 17 مليار دولار مع إنتاج سيارتين كل دقيقة، و ينتج المغرب حوالي 700 ألف مركبة سنويا، الأمر الذي يجعله عاصمة لصناعة و تجميع أجزاء السيارات في المنطقة، بالإضافة إلى قدرته على جذب استثمارات ضخمة بالمليارات، مما يعزز مكانته كأكبر منتج للسيارات في افريقيا.

2- قطاع الطيران:

أصبح المغرب ضمن أكبر 20 دولة مصنعة لأجزاء الطائرات في العالم، محققا بذلك إيرادات سنوية قاربت 3 مليارات دولار في عام 2024، و هي قفزة نوعية عززت صورة المغرب كمزود استراتيجي في سلاسل الإمداد العالمية.

3- قطاع الفوسفات:

 يعد المغرب من أكبر منتجي الفوسفات عالميا بإنتاج سنوي يبلغ 50 مليار طن،  حيث يمتلك 70% من إجمالي الاحتياطي العالمي، و قد بلغت الإيرادات المحققة من القطاع 9.5 مليار دولار خلال عام 2024، هذا القطاع يشكل أحد أهم مصادر الدخل و العملة الصعبة للدولة.

4- الصناعات الغذائية و النسيجية و صناعة الأسلحة:

 تعد أيضا من الصناعات التي يهتم بها المغرب خاصة منذ سنة 2004 اذ تعتبر اليوم من أهم مقومات المغرب لدعم موقعه الجيو-اقتصادي على الصعيدين الإفريقي و العربي و أهمها:

الصناعات الغذائية: تساهم بـحوالي 25% من الإنتاج الصناعي المغربي، و توفر 22% من فرص الشغل ، و تجلب 16% من الاستثمارات الصناعية، و توفر 15% من المنتوجات المجهزة الموجهة للتصدير بإنتاج يفوق 11 مليار دولار (المصدر غرفة التجارة و الصناعة).

قطاع النسيج: يضم أكثر من 1600 شركة، توظف ما يقرب من 190 ألف شخص و تحقق حجم مبيعات يبلغ حوالي 5 مليارات دولار، كما يعتبر المغرب شريكا مميزا لمجموعات دولية كبيرة، مثل شركة إنديتكس المالكة للعلامة التجارية زارا، التي أقامت وحدات إنتاجها في المملكة تعتبر إسبانيا و فرنسا عملاء رئيسيين للمغرب (المصدر غرفة التجارة و الصناعة).

الصناعة العسكرية: دخل المغرب مجال الصناعة العسكرية من خلال مجموعة من الخطوات مثل المصادقة على قوانين لهذه الصناعة، و تشييد مناطق ذات الصلة للتشجيع على الاستثمار مثل منطقة النواصر (الغرب) و استقطاب استثمارات بهذا المجال، حيث صرح المغرب عزمه على إنشاء منطقتين صناعيتين في مجال الدفاع للاهتمام بمعدات و آليات الأمن و أنظمة الأسلحة، و ذلك عقب مصادقة المجلس الوزاري على 4 مشاريع تتعلق بالمجال العسكري، كما انه في نهاية سبتمبر 2024، وقعت إدارة الدفاع الوطني المغربية و شركة "تاتا غروب" الهندية اتفاقية تهدف إلى إنتاج مركبة القتالي البري  (WHAP 8x8) محليا بمصنع بالمغرب .

5- قطاع الطاقة المتجددة:

الطاقة المتجددة حاضرة بقوة في المنظومة الصناعية الجديدة، حيث أصبحت طاقة الرياح خلال سنة 2024 هي ثاني مصادر توليد الكهرباء في المغرب بنسبة 21.23% و الطاقة الشمسية بنسبة 3.63%، لتقفز بحصة الطاقة المتجددة إلى 26.5% بنهاية 2024 مقابل 21.71% في 2023 من مزيج توليد الكهرباء، و هذا  يعزز من طموحات المغرب في تقليص التبعية الطاقية و قيادة التحول الأخضر في افريقيا.

6- قطاع البناء و الأشغال العمومية:

ينتج هذا القطاع في المتوسط ناتجا محليا إجماليا قدره 6.5 مليار دولار سنويا، أي ما يقارب 6٪ من الناتج المحلي الإجمالي الوطني، و يوظف ما يقرب من 10٪ من السكان النشطين في المغرب، شهد قطاع البناء و التشييد في المغرب تطورا كبيرا في السنوات الأخيرة، و يعد من القطاعات المهمة التي ساهمت في تعزيز الاقتصاد الوطني، حيث تسهم المشاريع العمرانية الكبرى، مثل السدود، الطرق السريعة، و المجمعات السكنية، في دعم النمو الاقتصادي و المساهمة في تحسين البنية التحتية.

رابعا: قطاع الخدمات محرك أساسي للاقتصاد:

يمكن تعريف الخدمات بانها نشاط اقتصادي لا ينتج سلعة مادية ملموسة، بل يقدم منفعة غير مادية للمستهلك، يعد قطاع الخدمات من أهم محركات النمو الاقتصادي في كل البلدان حيث يساهم بشكل كبير في الناتج المحلي الإجمالي.

 و في المغرب يشكل قطاع الخدمات ما يقارب 54.10% من الناتج المحلي الإجمالي، حيث تم إحداث 160 ألف منصب شغل في القطاع على مدار عام 2024، و هو ما يمثل 51% من إجمالي مناصب الشغل، تركزت هذه المناصب بالأساس في التجارة و الخدمات الاجتماعية و الأنشطة المالية و العقار و العلوم و الخدمات الإدارية و الدعم، هذا يوضح ان قطاع الخدمات يشمل نطاقا واسعا من الأنشطة أهمها:

1- قطاع السياحة:

 تعد السياحة ركيزة أساسية في اقتصاد المغرب، إذ تسهم بحوالي 11% من الناتج المحلي الإجمالي (7% من خلال السياحة الوافدة و 4% من خلال السياحة الداخلية)، و هي مصدر رئيسي للتوظيف و العملة الأجنبية، و حسب وزارة السياحة يعد المغرب أول وجهة سياحية في إفريقيا خلال سنة 2024، حيث وصلت عائدات السياحة إلى أكثر من 11 مليار دولار لأول مرة في تاريخ المملكة بعدما كانت قد حققت  10.5 مليار دولار خلال سنة 2023، و تعد السياحة ثاني مصدر للنقد الأجنبي في المغرب خلال 2023، بقيمة 10 مليار دولار، بعد تحويلات المغتربين المغاربة بالخارج البالغة 11.6 مليار دولار في ذلك العام.

2- الخدمات المالية:

 يتميز هذا المجال بتنوعه ما بين البنوك التقليدية و الإسلامية، اذ تقدم البنوك و شركات التأمين و شركات الاستثمار في المغرب مجموعة واسعة من الخدمات المالية للأفراد و الشركات و تلعب الخدمات المالية دورا هاما في تمويل الاقتصاد و دعم النمو.

3- خدمات النقل و الاتصالات:

 يوفر المغرب شبكة واسعة من خدمات النقل تشمل النقل الجوي و البري و البحري، تساهم خدمات النقل في ربط مختلف مناطق المغرب ببعضها البعض مما يسهل حركة التجارة و الأفراد.

كما يتمتع المغرب بشبكة اتصالات حديثة توفر خدمات الهاتف المحمول و الإنترنت للمستهلكين و الشركات، تساهم خدمات الاتصالات في تعزيز التواصل و تسهيل ممارسة الأعمال التجارية.

4- خدمات التعليم و الصحة:

التعليم: يقدم المغرب نظاما تعليميا متطورا يشمل التعليم العمومي و الخصوصي و يتضمن مدارس ابتدائية و ثانوية و جامعات، تلعب خدمات التعليم دورا هاما في تنمية الموارد البشرية و تطوير المهارات اللازمة للنمو الاقتصادي.

 الصحة: شهدت تحولات كبيرة في السنوات الأخيرة، تسعى لتقديم رعاية صحية شاملة و متاحة لجميع فئات الشعب و ان كان هذا القطاع لازال يعرف تحديات كبيرة و الخدمات التي يقدمها لا ترقى للمستوى المطلوب.

تتركز الخدمات في المغرب بشكل رئيسي في المدن الكبرى مثل الدار البيضاء، مراكش، و فاس، حيث توجد أكبر تجمعات للسكان و النشاط الاقتصادي، بينما تعاني المناطق الريفية من نقص في الخدمات الأساسية، يشكل هذا التفاوت تحديا كبيرا لتنمية شاملة و مستدامة في المغرب  كذلك تعاني بعض الخدمات خاصة في القطاع العام من نقص في الجودة و الكفاءة، يؤدي ذلك إلى إحباط المستهلكين و تراجع ثقتهم بالخدمات المقدمة.

خامسا: قطاع التجارة الخارجية:

تتم التجارة الخارجية عبر التصدير و الاستيراد، و وفق إحصاءات رسمية سجلت الصادرات المغربية 45.5 مليار دولار خلال العام 2024، بنسبة ارتفاع تقدر بحوالي 5.8% مقارنة بعام 2023، و الجدير بالذكر ان نسبة مساهمة هذا القطاع في الناتج المحلي الإجمالي تدخل ضمن نسب القطاعات الثلاث.

افاد تقرير مكتب الصرف السنوي حول التجارة الخارجية أن أوروبا لا تزال تحتفظ بأهمية مركزية في المبادلات التجارية للمغرب، حيث شكلت 62% من إجمالي التبادل التجاري خلال سنة 2024، كما أن حوالي 56.4% من واردات المغرب مصدرها القارة الأوروبية، بينما توجهت 71.4% من الصادرات نحو أسواقها، و تتصدر إسبانيا القائمة بحصة 29.1% تليها فرنسا، ألمانيا، إيطاليا، و تركيا.

اما على صعيد آسيا، سجلت المبادلات التجارية مع القارة نسبة 12.7% خلال العام 2024، اهمها مع الصين الشريك الآسيوي الأكبر و كذلك كازاخستان و الهند، في حين ان المبادلات مع الولايات المتحدة الامريكية سجلت نسبة 15.8% في نفس العام.

و على الصعيد الإفريقي، سجلت المبادلات نسبة 6.3% خلال 2024، جلها مع مصر التي ظلت الشريك الإفريقي الأول للمغرب للسنة السادسة على التوالي.

و يتصدر قطاع السيارات قائمة الصادرات المغربية إلى الخارج بنسبة تخطت 33٪ من إجمالي الصادرات المغربية وتصدر المنتجات إلى أكثر من 70 دولة، بما في ذلك الأسواق الأوروبية و الأفريقية و الشرق أوسطية، يأتي بعده الفوسفات و مشتقاته الذي وصلت إيرادات صادراته إلى حوالي 8.7 مليار دولار حيث ارتفعت صادرات الفوسفاط الخام بنسبة 49%  بينما سجلت مشتقاته ارتفاعا بنسبة 13.9%.

اما بخصوص منتجات القطاع الفلاحي، فاضافة الى تغطية حاجيات البلاد من هذه المواد فان القطاع يعتبر من بين القطاعات الأكثر مساهمة في الصادرات المغربية، حيث تمثل الصادرات الفلاحية حوالي 21% من إجمالي الصادرات الوطنية، محققة رقم معاملات يفوق 7.6 مليار دولار خلال سنة 2024، وقد شهدت بعض المنتجات الفلاحية المغربية طلبا متزايدا في الأسواق الأوروبية مما يعزز موقع المملكة كمصدر رئيسي للفواكه و الخضروات.

كذلك تشمل المنتجات المصدرة الأسماك و المكونات الكهربائية و المواد الكيميائية غير العضوية و الترانزستورات.

الاقتصاد المغربي يشهد تنوعا و تطورا متسارعا مدعوما بالاستثمارات و البنية التحتية، الا انه لازال يواجه عدة تحديات اهمها البطالة التي بلغت 13.30% في العام 2024، و التضخم  و كذلك الجفاف الذي يؤثر على القطاع الزراعي الذي يبقى عرضة للتقلبات، إضافة إلى ذلك يظل العجز التجاري قضية مستمرة مع ارتفاع قيمة الواردات من الطاقة و السلع الصناعية، ناهيك عن المخاطر المرتبطة بالبيئة العالمية غير المستقرة مثل تدهور الوضع الجيوسياسي و احتمالية ارتفاع أسعار المواد الأولية و تأثيرها على الاستثمارات و التبادلات التجارية.

تعليقات